"ﰲ العالم وليس مِن العالم"
اﻟﺮِّﺳﺎﻟَﺔُ اﻟﱠﺮﻋَﻮِﻳّﺔ 2020
بتاريخ 6 آب/أغسطس، يوم عيد تجلّي الرب، أصدَرَ المطران بول هندر رسالتِه الرعوية بعنوان "مِن العالم وليس مِن العالم" وهي موجهة إلى جَمِيعِ المؤْمِنِين في النِّيابَةِ الرَّسُولِيَّةِ لِشِبْهِ الجزِيرَةِ العَرَبِيّةِ الشَّمالِيّة والجنُوبِيّة. تُركز الرسالة على التعامل مع الوضع الحالي مع جائحة كورونا.
يتأمَل المطران بمقطعٍ من إنجيل يوحنا عندما يُصلي يسوع المسيح مساءَ العشاءِ الأخير من أجلِ تلاميذه. لا يطلب يسوع من الآب أن يخرجهم من العالم، بل "أن يحفظهم من الشرير"
(يوحنا 17: 15).
بالرغم من أننا نعيش في هذا العالم، يذكرنا سيادة المطران بأننا أبناء الملكوت، نعيشُ في الواقع الحي، نحن أناس مختلفون، "مكرسون بالحق". تشجعنا الرسالة على أن نتحول دون أن نتوافق مع العالم.
يدعونا المطران لنكونَ شهودَ رجاء وسط الصعاب المتعددة وأن نستمد قوتَنا من المسيحِ القائم من الموت.
تجدون أدناه نص الرسالة الرعوية 2020 من المطران بول هندر موجهة إلى جميع المؤمنين في النيابة الرسولية لشبه الجزيرة العربية الشمالية والجنوبية--
"لا أَسْأَلُكَ أَنْ تُخْرِجَهُم مِنَ العالم، بَل أَن تَحْفَظَهُم مِنَ الشِّرّير"
(يوحنا 17: 15)
إِخْوَتي وأَخَواتي في المسِيح، الأَعِزّاء،
السَّلامُ مَعَكُم!
١. نَمُرُّ جميعًا بِوَقْتٍ عَصِيبٍ مُنْذُ أَن تَسَبَّبَت جائِحَةُ كُورونا في إِرْباكِ حَياتِنا بِشَتَّى الطُّرُق. أَوَدُّ أَن أُشارِكَكُم بَعْضَ التّأَمُّلاتِ، انْطِلاقًا مِن كَلِمَةٍ في إِنجيلِ يُوحَنّا. نَجِدُها في صَلاةِ يَسُوعَ الطّويلة، مَساءَ العَشاءِ الأَخِير. بَعْدَ غَسْلِ أَقْدامَ تَلاميذِهِ، وقَبْلَ الدُّخُولِ في مَرْحَلَةِ الآلام، يُخاطِبُ يَسُوع الآبَ ويُصَلِّي مِن أَجْلِ تَلاميذِه: "لا أَسْأَلُكَ أَن تُخْرِجَهُم مِنَ العالم، بَل أَن تَحفَظَهُم مِنَ الشِّرِّير" (يو 17: 15).
وُضعت وَسطَ العالمِ الحقيقيّ
٢. لم يَتَوَقَّع يَسُوعُ أَنَّ تَلاميذَهُ سَيَعِيشُونَ في عالمٍ مِثاليّ، بَل في العالمِ المتَأَثِّرِ بِالخطيئة. كَمَسِيحِيّينَ، عَلَينا أَن نَعِيشَ في العالمِ كَما هُوَ ولَيسَ كَما قَدْ نَتَمَنّى أَن يَكُون. لَقَدِ اخْتَبَرْنا هَذِهِ الحقيقةَ بِشَكْلٍ كَبيرٍ في الوَقْتِ الحاليّ مَع جائِحَةِ كُورونا. أَن نُؤْمِنَ بِيَسُوعَ المسِيحِ، وأَن نَكُونَ أَعْضاءً في كَنِيسَتِهِ، لا يَضَعُنا تلقائِيًّا في الجنّة. نَحْنُ لا نُحْفَظُ مِن جائِحَةِ كُورونا ولا مِنَ المصائِبِ الأُخْرَى فَقَط لِأَنَّنا نُؤْمِنُ بِالمسِيح. مِثْل أَيِّ شَخْصٍ آخَر، نَحْنُ مُعَرَّضُونَ لِلمَخاطِرِ الموجُودَةِ في عالمِ مُلَوَّثٍ. لا يُمكِنُنا الادِّعاءَ بِأَنَّنا نَتَوَقَّعُ مُعامَلَةً خاصَّةً مِنَ اللهِ في هذا الصَّدَدِ فَقَط، لِأَنّنا نُؤْمِنُ بِابْنِهِ يَسُوعَ المسِيح. في صَلاتِهِ قَبْلَ الآلام، لم يَطْلُبْ يَسُوع مِنَ الآبِ أَنْ يُخْرِجَ تَلاميذَهُ مِنَ العالم. سَأَلَ الآبَ فَقَط "حِمايَتهم مِنَ الشَّرّ". "الشَّرُّ" لا يَعْني المرَض، والحوادِث، والمجاعة، والحرُوب وما يَصْحَبُها مِن مِحَنٍ، بَل يُشِيرُ إلى الشَّرِّ الّذِي يَسْتَطُيعُ أَن يَقْبضَ علينا، ويَجعَلَ أَرواحَنا مَريضَةً حَتّى الموت، ويَقْطَعَنا عَنِ الصّداقةِ مَعَ الله.
٣. نَأْمَلُ جَميعًا بِالطَّبْعِ ونُصَلِّي مِن أَجْلِ الخُرُوجِ مِن هذا الوَباءِ سالِمِين. ولَكِن لا تُوجَدُ ضَمانة - لا لِلمُؤْمِنِ ولا لِغَيرِ المؤْمِن. بهذا الصَّدَد، نَتَشارَكُ جَميعًا في نَفْسِ الحالةِ الأَوَّلِيّة، ويَجِبُ أَن نَقُومَ بِما هُوَ مَطْلُوبٌ لِحمايَةِ أَنْفُسِنا والآخَرِينَ بِأَكْثَرِ الطُّرُقِ فَعالِيّة. نَحْنُ مُمْتَنُونَ لِجَمِيعِ أُولَئِكَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ لَيلًا ونَهاًرا لِتَقْلِيلِ المخاطِرِ القاتِلَةِ، والَّذِينَ يَبْحَثُونَ، بِشَكْلٍ مُكَثَّفٍ، عَنِ اللّقاحِ الَّذِي نَأْمَلُ أَن يُعِيدَ الشُّعُورَ بِبَعْضِ الاطْمِئنان. ومَعَ ذلِكَ، فَإِنَّ الوَباءَ الحاليَّ يُذَكِّرُنا، بِطَريقةٍ مُلْفِتَةٍ لِلنَّظَرِ، بِأَنَّ المسِيحِيّينَ يَتَشارَكُونَ مَعَ جَميعِ البَشَرِ الآخَرِين "البَيتَ المشْتَرَك" الَّذِي وَهَبَنا إِيّاهُ الله الخالِق. لا يُمَيِّزُ الوَباءُ بَينَ المؤْمِنِينَ وغَيرِ المؤْمِنِين.
مَدْعُوّ لِتَكُونَ "الرّوح" لِلعالم
٦. تُظْهِرُ لَنا هَذِهِ الشّهادَةُ مِنَ العُصُورِ القَديمة، أَنَّ المسِيحِيِّينَ لم يَنْفَصِلُوا، بِطَرِيقَةٍ طائِفِيَّةٍ، عَنِ العالمِ والمجتَمَعِ الّذِي عاشُوا فِيه. وبَدَلًا مِن ذلِكَ، فَإِنَّهُم تَمَيَّزُوا بِأُسْلُوبِ حَياتِهِم. في ظلِّ حَضارَةٍ، حَيْثُ يَعْبُدُ النّاسُ السُّلْطَةَ ويُعامِلُونَ الإمبراطُورَ كَإِلَه، أَكَّدَ المسِيحِيُّونَ أَنَّ حَياتَهُم وعِبادَتهم تَعُودُ فَقَط إلى الإِلَهِ الحقِيقِيّ، وبِشَكْلٍ غَيرِ قابِلٍ لِلتّفاوُضِ، حَتّى لَو قُتِلُوا بِسَبَبِ هذا الاعتِقاد. في مُجْتَمَعٍ، حَيثُ كانَ الإجهاضُ وقَتْلُ الأَطْفالِ بَعْدَ وِلادَتِهِم مُمارَسَةً شائِعَة، تَمَسَّكُوا بِثِمارِ الرَّحِم. في ثَقافَةٍ كانَ الاختِلاطُ الجِنْسِيُّ فِيها مُمارَسَةً شائِعة، أَصَرُّوا في الكَلامِ وعبر الممارَسَة على حَصْرِيّةِ الرّوابِطِ الزَّوْجِيّة. في عَصْرٍ كانَ فِيهِ التّمْيِيزُ ضدَّ النّاسِ جِزْءًا مِنَ النِّظام، اعتَبَرَ المسِيحِيُّونَ أَنْفُسَهُم إِخْوَةً وأَخَواتٍ بِشَكْلٍ مُسْتَقِلٍّ عَن وَضْعِهِمِ الاجتِماعِيِّ والاقتِصادِيّ، أَوِ انتِمائِهِمِ اللُّغَوِيّ أَوِ الثّقافيّ. رُبَّما لم يَتَوافَق الواقِعُ دائِمًا مَعَ المِثالِيّة. رغْمَ ذلِك، فَإِنَّ بُذُورَ نَمَطِ حَياةٍ مُخْتَلِفٍ تَمامًا - مُتَجَذِّرَة في مِثالِ وكَلِمَةِ يَسُوعَ المسِيح - انتَشَرَت وأَنْتَجَت ثِمارًا. في خِضَمِّ صِراعاتِهِم، كانَ المسِيحِيُّونَ فَخُورِينَ بِهَوِيَّتِهِم. كانوا مُقْتَنِعِينَ أَنّهُ، على الرّغْمِ مِن صِغَرِ عَدَدِهِم، يُمْكِنُهُم تَغْيير العالم. دَعُونا
نَسْتَمِعُ مَرَّةً أُخْرَى إلى نَفْسِ الرّسالَةِ إلى ديوجينيتوس:
"وبِالاختِصار، فَإِنَّ المسِيحِيّينَ لِلعالمِ كَالرُّوحِ لِلجَسَد. الرُّوحُ تَمْتَدُّ إلى جَمِيعِ أَعْضاءِ الجسَد، والمسِيحِيُّونَ يَنْتَشِرُونَ في جَمِيعِ مُدُنِ العالم. وكَما أَنَّ الرُّوحَ تَسْكُنُ في الجسَدِ، وهِيَ لَيسَتْ مِنْهُ، فَهَكَذا المسِيحِيُّونَ، فَإِنَّهُم يَسْكُنُونَ في العالمِ ولَكِنَّهُم لَيسُوا مِنَ العالم. وكَما أَنَّ الرُّوحَ غَير المنظُورة تُحْبَسُ في الجسَدِ المنْظُور، هَكَذا المسِيحِيُّونَ، فَإِنَّهُم يُعْرَفُونَ مَسِيحِيِّينَ في العالم، ولَكِن تَقْواهُم تَظَلُّ غَير مَنْظُورة. ومَعَ أَنَّ النَّفْسَ لا تُسِيءُ إلى الجِسْمِ، فَإِنَّ الجِسْمَ يَكْرَهُها ويُحارِبُها لِأَنّها تُعِيقُهُ عَنِ الانغِماسِ في الملَذّات.
والمسِيحِيُّونَ كَذلِكَ لا يُسِيئُونَ إلى العالم، ولَكِنَّ العالم يَكْرَهُهُم لِأَنَّهُم يُقاوِمُونَ مَلَذّاتِه. والنَّفْسُ تَحِبُّ الجَسَدَ الّذِي يَكْرَهُها، كَما أَنَّ المسِيحِيِّينَ يُحِبُّونَ الّذِينَ يَكْرَهُونَهُم. وكَما أَنَّ النَّفْسَ تُحْبَسُ في الجَسَدِ، ولَكِنَّها تَحْفَظُهُ، فَإِنَّ المسِيحِيِّينَ أَيضًا يُحْبَسُونَ في العالمِ، ولَكِنَّهُم هُمُ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ العالم. وكَما أَنَّ النَّفْسَ الخالِدَةَ تَسْكُنُ في خَيْمَةٍ فانِية، فَإِنَّ المسِيحِيِّينَ أَيضًا يَعِيشُونَ غُرَباءَ بَينَ الأَشْياءِ الفانِية، مُنْتَظِرِينَ الخُلُودَ في السَّماء. وكَما أَنَّ النَّفْسَ تَكُونُ بِحالَةٍ أَفْضَل بِتَقْنِينِ المأْكَلِ والمشْرَب، فَإِنَّ المسِيحِيِّينَ يَتَزايَدُونَ رغْمَ أَنَّهُم يُعاقَبُون. هذا هُوَ الوَضْعُ الَّذِي أَوكَلَهُمُ اللهُ بِهِ، ولا يَجُوزُ لهم أَنْ يَتَخَلَّوا عَنْهُ" (مِنَ الرِّسالَةِ إلى ديوجينيتوس).